الخميس، 15 فبراير 2018

في مفهوم الفسيفساء (لبنان نموذجاً) | بقلم: إياس بياسي

ربما لم يفلح الاستعمار الأوروبي في القرن العشرين -بعد تقسيم بلاد الشام ومابين النهرين إلى مناطق نفوذ وسيطرة ومحاصصة، وبعد تحويل هذا التكتّل الجغرافي، الديموجرافي القوي، إلى كانتونات منفردة "متمايزة"- أكثر مما فلح في "اختراع" دولة لبنان.

وبمثلِ مايتعجّب الشيطان أحياناً، من بعض خلق الله، ممن قد يتجاوزونه في دهائهم ومكرهم؛ ويشكّ أحياناً في مهنته ومهمّته كـ "إبليس"، أشكُّ أنا وأتعجّب وأتساءل؛ هل يُحتمل فعلاً أن السيد غورو Gouraud كان يقصد، اجتزاء كل تلك المتناقضات من هذه البقعة الجغرافية، وحشرها في "دولة لبنان"، وأن ذلك لم يكن يعني له ولدولته العظمى آنذاك، سوى تقسيماً لأرضٍ، يسهل من خلاله، إحكام سيطرتهم على مناطق نفوذ تتقاسمها القوى الكبرى معهم؟

أم أن الأمر لايعدو "جرّة قلم"، وأن السيد المذكور آنفاً، ينوي أذىً، لكن ليس بهذه البشاعة، وهذا التجسيد الرهيب لها؟ 

بفضل من هذه العبقريّة، التي أخرجت هذا الكيان؛ من هدف إنشائِه "المُحتمَل" والمُفترض، وأضافت له العديد من المهمّات الأخرى، كأن يكون مرآة لأديان وطوائف وأحزاب العالم ومصالحهم، وكأن يظلّ إلى الأبد، كياناً قلقاً، ليس بمقدوره تصدير مشاكله، بقدر مايبرع في استيرادها وتمثيلها في ساحاته؟

هل تبدو لكم هذه الدولة، أكثر من مجلس نيابي، يمثّل "مصالح" العالم أجمع، عدا مصالح اللبنانيين خصوصاً؟

هذا كلّه، ليس من التعجّب والتساؤل بشيء، إذا ما عرفنا أن اللبنانيين أنفسهم، هم راضون تماماً، عن انتمائهم لتلك "الفسيفساء"، بل أن كلّ "فَسفسائية"، تفتخر بكونها قطعة قائمة بحدّ ذاتها؛ كانت ترتصف في زمن أغبرٍ ما، ضمن صفوف لوحة كبيرة أخرى، هي بطبيعة الحال -وبالتأكيد- ليست على جدران هذه المنطقة.

إذاً لماذا لايتقاسم اللبنانيون، ويرسمون حدوداً دولية بين طوائفهم، بدل أن يكسروا على أنوفهم بصلاً، أمام الإعلام، ويحتملون "زناخة" العيش المُشتَرك؟

ياترى، ماهي مهمة هذا الـ لبنان، بعد تغيّر مُحتمَل لموازين القوى مرّة ثانية، سوى أن يكون مرة أخرى أيضاً، حلبة جديدة، يمثل المتصارعون اللبنانيون فيها، أندية العالم الكبرى؟

 

السبت، 24 ديسمبر 2016

إننا نقرأ يا ذا العين الواحدة | بقلم: إياس بياسي

حدث أن قال قائد، في دولة ما، يوماً: (إن العرب لايقرؤون)
ونكاية به، وبكيانه المعادي، التقط العرب كل نفايات الثقافة والأيديولوجيا، وقاموا بقراءَتها.
مُت بغيظك يا ذا العين الواحدة (1) ها نحن كنّسنا كل التاريخ، وبحثنا حتى في زواياه عن أحرفٍ خبيئة هنا وهناك واجتررنا الحرف الواحد، ملايين المرّات.
وحدث أن سُرقت –من العراق وحده في أول سنة من الاحتلال الأمريكي فقط- أكثر من مئة وسبعين ألف قطعة أثرية، لم يكترث بها أحدٌ، بقدر ما نكترث اليوم، بجواز تهنئة أهل الذمّة، في أعيادهم أم لا، وبوضع المعايير التي لايمكن تجاوزها، والتي لايمكن أن يتخطاها أيٌّ كان، لتصحّ "العودة إلى الله".
هل يظنُّ أحدكم أن الدول الكبرى، ستتزلزل الأرض من تحتها، حين تقرّرون تلك "العودة" على طريقتكم؟ لتعلموا إذاً، أنهم لايستَثمرون إلا في البلاد التي يكتب مفكّروها، مئات العناوين والكتب عن "عذاب القبر" مثلاً، وأعداد الحوريات وأوصافها، وماهو طول البناء الشاهق، الذي يصحّ أن يرمى منه متهماً باللّواط.
المُعتَقَد الوحيد، الذي لاتسعى أي دولة كبرى وطامعة، إلى محاربته أو إضعافهِ، هو "المُعتَقَد السّلفي" (2)، وكلما خبا ذاك الفكر قليلاً، سيخرج ذو عين واحدة آخر، أو ذوي أعين آخرين، ليقولون لكم:
أنتم لاتقرؤون، وأنتم بعيدون جداً عن الله .. وستجدون الأسواق آنها، مليئة بالكتب، التي تطلعك علميّاً، على ضرورة قتل الكلب الأسود، والوزع.

(1) ذو العين الواحدة: موشيه دايان.
(2) المعتقد السلفي السياسي، والشيعة السياسية.

الأحد، 9 أكتوبر 2016

معلومٌ من الحبّ بالضرورة | بقلم: إياس بياسي

كل يومٍ، يضيع يومي كلُّه، وأنا أفتّشُ عن طرقٍ مُثلى، لأقنِعَكِ بروايتي، وثبات سَنَدي.
وأنا قومٌ، لا أقيم حدّ الرّدة؛ عن حبٍّ، لا تأسّياً، ولا باستئناسِ الآحادِ.
أما أنتِ، فمنَ اللائي شككْنَ بحديثي؛ لانقطاعٍ دونما دراية، فلا أنتِ أقررْتِ بصحَّتِه، ولا استحسَنتِهِ، وكرهتِ حتى متنَ الرّواية.
وعرفتُ -آنئذٍ- مخرَجَ الحكاية، فكنتُ محدِّثَكِ، عمّا إليه الأمرُ مرفوعاً سيؤول، فارتأيتِ أنّي مجرّدُ حافظٍ سيقولُ ويقول ويقول.
هلّا عرفتُ، من كان من صُحبتِك ثقاة، ومن أحدثَ بعد جَرحه -في رأيكِ- التّعديلْ؟
هلّا عرفتُ، معضلاً لحبّكِ؛ معطّلاً له، كالذي يرمي، في قتلي قَدحاً؛ إلى إرواء الغليلْ؟
 أنا الصحيح لذاتِه -فلتدركي- لا لغيرِه، ولم يصحَّ عني، أنّي المدلّسُ أوالشّاذُّ أوالعليلْ.
كل ما عُلمَ مني بالضرورة، ليس موضوعاً، وحسبيَ الخالق يوماً، أن يأتي بالدّليلْ.

الأربعاء، 3 أغسطس 2016

على سيرة المنعطفات | بقلم: إياس بياسي

في سجل شعوب هذه الأرض، مرّت العديد من الأحداث، التي غيّرت وجه البشريّة، فقلبته من حالٍ إلى حال، وسواء كان الحال الأخير هذا، أسوأ من الذي قبله، أم أحسن منه، فالغاية من الكلام هنا، هو المرور على ذكر جزء يسير، قد نقيس على ميزانه، أحداث أخرى، أثّرت فعلاً، في تطور ثقافتنا وفهمنا.
قد تكون عودة اليهود، من منفاهم القسري، في بابل إحدى تلك الأحداث، ففي رحلتهم الطويلة منها، بعد أن استكملوا مهمتهم العظيمة، التي عملوا لأجلها مئات السنين، لم يبقَ لفارس إلا مكافأتهم، على صنيعهم، وإعادتهم إلى فلسطين.
وبعد الانتصار والاستقرار النفسي، الذي حظَوا به، عكفوا على إعادة تأليف، أهم كتاب في تاريخ البشرية، وأطلقوا إحدى صفاته، لتصير سمة ملازمة لكثير من الكتب الأخرى، وحتى لو كانت وضعيّة إنسانية، فلقد أسموه بـ "السماوي".
لايفوتنّكم هذا المشهد البارز، فصفة "السماوي"، لاتقبل في أي عقيدة أو فلسفة، خاصيّة التفاوض، أو المراهنة، أو لنقل بكل ثقة، لاتقبلُ أي شكل من أشكال الحوار.
فمن هنا بدأت، قصّة التحريم، وإسكات المعارضين، وكم الأفواه وقلع الأعين، وقطع الأيدي والأرجل من خلاف، ومحاربة البشرية بأسرها، وهنا أيضاً، رموا أول بذرة، أنبتت فيما بعد، وأورقت فقهاء ومعلّمين، أسسوا داخل الأديان، عصابات سوداء، صادرت التاريخ وكتابته، وحاصرت كل المصلحين، وغيّبتهم بالموت أو التجاهل.

السبت، 23 يوليو 2016

فنّ التأثير على مخيلة الجماهير | بقلم: إياس بياسي

يحدثُ أن تمرَّ بمكان ما، فتشعر أنك قد مررت قبلاً من هنا، وتكاد تجزم بهذا، بما لايقبل الشكّ، أو تصادف شخصاً ما؛ فيعتريكَ نفس الشّعور الخليط ، بين التعجّب والذهول والاستفهام، وتسمى هذه الحالة علمياً (الديجافو Deja Vu)، حيث تعتقد أنّ المكان، أو الحدث الذي تعايشه حالياً، قد تكرّر سابقاً، وهو أمر يكاد يكونُ مألوفاً جداً بالنسبة لك، وفي النهاية فإن معظم الناس قد حصلت معهم هذه المواقف، وستستمرًّ بالحدوث مستقبلاً؛ فاطمئنوا ..
ويحدث أن تتابع بدقّة؛ أحداث العالم العربي، وثوراته –أو سمّها ماشئت- من بدايتها، وتقف على نافذة التطورات الآنية، وترصد كلّ تغيير وتغيُّر فيها، متمنياً وراغباً باستمرار اندلاعها، وسبر انعكاساتها، أو عكس ذلك إن أردت، ثمّ لا تُفاجأ أبداً بالنتيجة، أو أنك كنت تتوقّع؛ ماستؤول إليه الحكاية، من مبدأ خبرتك المتواضعة بعلم نفس الجماهير، وليس من مبدأ نبوغك؛ في تفكيك وتحليل نظرية المؤامرة، أو صراع الحضارات.
كنت أقفُ على هذه النافذة، وألعن في سرّي –كل يوم- جوستاف لوبون1 الذي انقرض جسده منذ عام 1931، ولم ينقرِض بعدُ فكره؛ ذاك الذي أمضى حياته بدراسة هذه الظاهرة، ظاهرة (علم نفس الجماهير) وظاهرة محرّكيها، والذي يؤكّد في أحد دراساته، أن الجماهير تتحكم فيها "العوامل الوراثية العتيقة"، حتى عند ثورانها وانتفاضاتها، ويستنتج، أنها سرعان ماتملّ من الفوضى والانفلات، الذَين تخلّفهما تلك الموجات الاحتجاجية أو الثورات، وتميل مرّة أخرى بغريزتها إلى العبودية، أو إلى من يقمعها، بحجج كثيرة مثل (الاستقرار وحماية البلد)2، ويستشهد هنا بنابليون، والتي راحت تصفق له الجماهير، عندما أخذ يلغي الحريات، ويحكم بيد من حديد، رغم أنه جاء، بعد ثورة قدمت الكثير من التضحيات.
وفي نقطة أخرى تتصل بهذا، يذكر لنا، أنه على الرغم من أن هذه الجماهير، قد ثارت لتغيير واقعها بمؤسساته، وهياكله، إلا أنها تكتفي من ذلك بتغيير الأسماء، وظواهر المؤسسات الرسمية، بينما تبقى تلك المؤسسات بعمقها ومضمونها، لتعبر عن نفسها بأنها احتياج وراثي لهذا الشعب أو هذا الجمهور3.
ربما ذلك ما يجعلنا نفسر، ميلَ بعض الشعوب، للتمسك بالمؤسسات الأمنية والعسكرية، وتفضيلها على طموحاتهم، وماقاموا لأجله، رغم ما ارتكبته من جرائم وفظائع بحقّهم؟
ألا يبدو أن بعض الشعوب مثلت هذا الدور، ومع إطالة أمد الحروب والثورات، ستمثّله شعوب أخرى؟
ألا يكفي هذا للعنِ هذا الرجل صباحاً كل يوم؟
ونعود بالحديث عن إحدى خصائص الجماهير أيضاً، والتي هي (ضعف المحاكمة العقلية) كما يقول، فهذه الأخيرة تجعلها تتأثر بالصور والخيالات، لذلك تنتشر بين الناس، القصص والأساطير، المحمّلة بالعواطف والخيال، الأمر الذي يجعلها لاتميز بين الواقعي، واللاواقعي، مايسهم في تحريك مخيلتها، وتجييشها نحو أفكار كبرى وعميقة 4.
ويخلص لوبون بعد عرض مفاتيح علم نفس الجماهير–وهذا هو الأهم- إلى أنَّ: (معرفة فنّ التأثير على مخيلة الجماهير، تعني معرفة فنّ حُكمها).
ويَذكر التاريخ، أنّ الدعاية النازية أيام أدولف هتلر، وعرّاب حكمه الكبير، وزير دعايته بول جوبلز؛ قد استعانت كثيراً بأفكار لوبون، حيث كان هذا العبقريّ (جوبلز)، والذي أوكل الفوهرر إليه، مهمّة تحطيم الخصم بالدعاية، يَستحضِرُ فحوى دراسات لوبون، ويحوّل نتائجها إلى بروباجاندا، يستخدمها ضد أعدائه، أكثر مما يستخدم السلاح، ويقال أنه هو القائل: (أعطني إعلاماً كاذباً –أو بلاضمير- أعطِك شعباً بلا وعي)، فدراسة نفسيّة الشعوب، وطريقة تحريكها، قد بدا لجوبلز، أنها الوسيلة الأنجع، والأقوى، بدلاً من ضخ الأموال وصرفها على الجند، والأسلحة وصناعتها.
وقبل أن ندخل في خصائص أخرى عديدة، تحتاج للمزيد من الإيضاح، والمزيد من الإضاءة على الخلفيات التاريخية المُعتمة، لنبدأ بنهاية الفكرة:
أشعر أني مررتُ بهذا المكان، وأن هذا الحدث، قد تكرّر سابقاً.

1: جوستاف لوبون: طبيب ومؤرخ فرنسي، اشتهر جداً بكتابه (سيكولوجية الجماهير).
2: الحالة المصرية مثلاً، وحتى الشعوب التي لم تخض غمار هذه الهزات السياسية، خافت من نتائجها قبل فوات الأوان.
3: السمات "القطعانية" للتجمعات البشرية، عند الإحساس بالخوف الشديد، أو الملمّات والكوارث الطبيعية ، فإنها تبدأ بالانكماش، وإحاطة نفسها بنفسها، لدرء الخطر الخارجي.
4: انتشرت في أحد سنيّ الحرب في سوريا، قصص مفادها، أن الملائكة بلباس أبيض وخيول بيضاء، تحارب في صف المجاهدين، ولقت القصة انتشاراً كبيراً بين الناس، وتأييداً واسعاً، بعد أن أذيع إلى جانب القصّة، أن هناك من شاهدهم حقّاً، وأقسمَ على ذلك.

السبت، 9 يوليو 2016

سيكولوجيا الانتحار والإعداد للموت | بقلم: إياس بياسي

هذا العمل الانتحاري، قد أثار دهشة كل المراقبين، ليس لذاك النوع من العمليات، الذي بات مألوفاً لقدمه، بل لتك البقعة تحديداً التي لم تكتمل فصول المخطط فيها، بعد تفجير نفسه بعناصر الأمن المحيطين بالمكان.
فكل مانعرفه عن أولئك الإنتحاريين، وكل مانتوقعه منهم، لم يجعلنا نخمّن ولو للحظة واحدة، أن هذا المكان المقدس، ومن فيه ممّن يباشرون الشعائر الدينية، قد يتعرّضون، من قبل تلك الجماعات الرّاديكالية، لنفس الموقف الذي يتعرض له (الكفار، والخوارج، والمرتدين، ... إلخ) يومياً في كل أصقاع الأرض، ولهذا، فما أعرضه الآن، ليس خبراً، بل محاولة بسيطة لتشريح دماغ الإنتحاري، والاطلاع عليه من الداخل، لذاك الرّاقد في الـ Coma
فحين يكون السؤال هو، ما الذي دفع ذاك الانتحاري، إلى تفجير نفسه قرب المسجد النبوي الشريف، فإن السؤال يأتي ناقصاً، من حيث أنّ الدّافع وحده، قد يكون من أوضح الوسائل، لقذفك في هذا الطريق، فهو جليٌّ، ولاأحد ممن يمتلكون الأجندات السياسية، يملك طوعاً أو كرهاً إخفاءه.
أقول هذا، لأن الإنسان المعبّأ، والمجهّز للقيام بعمل ما -من شأنه تغيير وضع (سياسي أو جيوسياسي)- لن يعتمد في قرار القيام بذلك، على الدّافع وحده لاشكّ، بل على مجموعة من العناصر، تعمل جميعُها متمّمة، للوصول إلى الهدف المنشود، ويكون أحدُها يسمى "دافعاً".
هل يكون "غسيل الدماغ" أحدها أيضاً؟
"غسيل الدماغ"، والذي هو من ضمن الأركان المتممة أيضاً للهدف، يُعتمد عليه بنسبة كبيرة، في (إعادة تشكيل المُعتقد) لمنفِّذ العمل، فيما إذا كان ناقص الإيمان به، أو غافلاً عنه، ففي الحالات "الدينية"، يقوم المتخصصون، بشرح وتوضيح بعض التعاليم العصيّة على الفهم، أو تلك التي تكون غير مرئيّة لعوامّ المؤمنين، بغاية الحضّ، على تجاوز الحاجز النفسي، المليء بالخوف، والرّهبة من الموت، ولو كلّفهم ذلك إفتاءً جديداً، يتجاوزون به، القوالب الشرعيّة، وتطويعها باللعب على الفقه نفسه، أو بالتواري اللغوي، أوالتحريف التاريخي، وعرض المآل الأخير -الآخرة- كمكافأة أزلية، لايمكن التفاضل في شأنها مع الدنيا الفانية.
والأمثلة التاريخية لاعتداء مشابه، على حرمات مقدّسة، لاتخلو، ولقد كان "الحجاج بن يوسف الثقفي" أحد القادة الذين أقدموا على ضرب الكعبة بالمنجنيق، تنفيذاً لأمر "وليّ الأمر"، لملاحقة الخارجين عن الدّولة، المحتمين بالكعبة، بحجة الخروج عن الدّين، والخروج على وليّ الأمر، ويعود عدم إبراز تلك الحادثة ومشابهاتها تاريخياً، واستغلالها كأسوة ببعض القادة، لعدم قدرة عموم الناس على الإلمام بمفهوم "الولاية"، وماتقتضيه الحاجة والشروط لتثبيتها، ومبايعة الوالي.
ويأتي "التحريض" أيضاً، كعامل أسّ، في هذه المهمّة المرعبة، والمُتشكّل أصلاً، وباستمرار في البيئة الحاضنة، حتى الالتقاء بالدافع، في حلقة مفرغة، لايتوقف الدوران بها.
إذاً فإن "البيئة الحاضنة" التي ينشأ ويترعرع بها الفاعل، كعامل وعنصر أيضاً، منذ نعومة أظفاره، أخطر ماتكون ساعة تختلط فيها قيمُ وعادات وتقاليد المكان الجغرافي الموروثة، بالمعتقدات الدينية، فينشأ عنها أخيراً "ديناً" جديداً، قد يشترك مع الدين الأساس، ببعض العناوين والتسميات، ويبتعد عنه في الجوهر والغاية، ولربما قد يبدو لأي محلل، أنها المكان الأفضل، للسيطرة عليه ثقافياً، قبل تفريخ هؤلاء في المستقبل، فكما يقول المثل: (المعدة بيت الداء).
لابدّ من الإشارة، إلى أن أي عقيدة مجتمعية، دينية أو وضعية، تحمل هذه الخصائص أو الأركان في ذاتِ تابعيها، وهي قابلة للانفجار، حسب المُقتضى السياسي الأخلاقي.
إن مفهوم تقديم النفس فداءً، هو من حيث التعريف، أوسع من كلّ الأمثلة، التي تُطرح في سبيل إيضاحه، فالكاميكاز اليابانيون، لم ينقضّوا على البارجات الأمريكية في الحرب العالمية الثانية، بوعدٍ من أحد بحياة أبدية، أو فردوس ما، والمقاومون "الملحدون" في حقبة الثمانيات، المنتمون لأحزاب غير دينية، أثناء الصراع المحتدم مع "الكيان الإسرائيلي" في جنوب لبنان، قدّموا إلى جانب الأحزاب الدينية، أرواحهم وأجسادهم، دون أية وعود أو أيّ إيمان بالخلود.
هل يمكنكم أن تقارنوا، بين من يقدم نفسه طواعية، لأجل أن يحيا أخاه بكرامة ودونما لقاء، وبين من يقتل أخاه، طمعاً بالفردوس؟
لنكفّ الآن عن التحليل والتشريح .


السبت، 4 يونيو 2016

ياقليل الانتماء, يا عديم الهوية | بقلم: إياس بياسي

قبل البحث عن حلّ سياسيّ, يحقنُ دماءَ السوريين النّازفة للأبد, هل يمكنُنا القولُ أن هذه الحرب قد كشفتِ الكثيرَ من العوراتِ, منها ماكان مختبئاً, بين ركبتَي وسُرّة هذا الوطن؟
هل من "ورقة توت", كسَت جزءاً من هذا العراءِ, عبر الكثير من النظريّات السياسية, والعقائديّة, على مرّ التاريخ؟
هل على السّوري إذاً، أن يقفَ منكوباً، في شارعٍ ما، ويصرخ بأعلى صوته:
من أنا؟ من نحن؟ ماذا يجري؟
هل استطاع أصحاب النظريات الوضعية، وممثلو الأديان السماوية، فالأحزاب السياسية والدينية, أن يتفقوا فيما بينهم أولاً, وكلّ في محفلِه، أن يرفعوا راية واحدةً، توحِدُ رعاياهم فقط, كلّ على حدى، وداخل "الملّة" الواحدة، على كلمة سواء؟
لا
أمعقولٌ، أن هذا الكيان السياسي الهشّ, كان يجمعنا بين ذراعيه، ونحن نكنّ لبعضنا، كل هذا الحقد، وهذه الهمجيّة؟
أيُّ شارعِ في سوريا، قد يدهشُكَ, بتعدد انتماءاتِ وولاءات الناس فيه، لأيّ شيء، وأيّ أحد، سوى هذه الـ "سوريا"
أو قل:
إنّ خبراً واحداً، قد يقصِم ظهرَ أبناءِ, حلقةٍ دعويةٍ واحدةٍ, أو قد يحيلُ حلقةً حزبيةً إلى هشيمٍ تذروهُ الرياح, أو تُعلنُ "داحس وغبراء" أخرى بين فخذين أو بطنين, من أبناء البلاد, والأقذر من هذا كلّه أن الكلّ يقاتلُ مايسمّيهِ، "الفئة الباغية"، ويعدّ لها ما استطاع من قوة، وزد عليها رباط الخيل أيضاً، وكلّ يحمل كتابه على رمحِه وسيفه، ويعلنُ أن قتلاهُ في الجنّة، وقتلاهم في النار.
هل نحن "نقونن" أو "نشرعن" اقتتال الصحابة، ومبدأ القبيلة التي تقوم بـ "الغَلَبة" وكسر العظام؟
ياترى ..!!!
هل هي أزمة "هويّة ضائعة"، أم لا وجود لهويّة أصلاً، حتى تكون هناك أزمة؟
هناك شتيمة جديدة, على السوريين, أن يسبّوا بعضهم بها, هي:
ياقليل الانتماء، يا عديم الهوية.

الجمعة، 26 يونيو 2015

هي الرّسالةُ ذاتُها | بقلم: إياس بياسي

هي الرّسالةُ ذاتُها, لم تختلِف أبداً, بل بدّلت ربما ساعي البريدْ.
هوذا مايحدث في التقمّص, فالرّوح نطّاطةٌ, من جسدٍ يفنى, لآخرَ يقوم.
سمِّ عدوّك ماشئت, وحدّد من شئت, لكنّه واحدٌ, دأبَ منذُ الأزلِ, على تفريغِكَ, من شحناتِ النّخوة الزّائدة, وردود فعلِكَ المؤثّرة.
هو ذاك الذي, ما انفكَّ ينخرُ في الأرضِ, بحثاً عن هياكلهِ, تحت سريرِكَ, في الوقت الذي, تطلقُ فيه بعضَ الرّوائحِ, والأصواتِ, أثناء نومكَ, بعد عشاءٍ ثقيل.
هو الذي استبدلَ فأراً بكَ, ليجري تجاربهُ على أعصابِكَ, وحسّكَ, وغيرَتِكَ.
هو الذي, يقولُ لكَ, كلّ صباح: أعلى مافي خيلك اركبه, وهو نفسُه, من سحبَ من أسواقِنا, أعلى الخيول, ونفسُهُ, من أغرقَ سوقَنا, بدوابٍّ كالتي ركبَها سانشو وهو سعيد, نعم سانشو, رفيق الدون كيشوت, في السّراء والضرّاء.
وأنتَ, لم تزل أنتَ, وهو يعرفُ تماماً, أنّك ستحزِمُ أمرَك جيّداً, وتفيضُ الغَضَبَةُ من عينيكَ, وتتضخّمُ أوردَتُكَ, بدماء الثّأرِ والانتقام, وتتنكّبُ إصراراً, ليس كأيّ إصرار, ثمّ, تعِدُّ له, ما استطعت من منشورات.
إن لم تنشرها, فاعلم أن الشيطان قد منعك.
نعيماً

الاثنين، 1 يونيو 2015

هل يمكننا أن نعكس المعادلة؟ | بقلم: إياس بياسي

على الكورنيش البحري, كنت أفكّر في مسألة قد تبدو مهمّة نوعاً ما, وحاولت أن أصوغها بسؤال واضح, ويجمع معظم الوجوه التي قد تحملها فكرته..
هناك الكثير من الأفكار الكبيرة, التي آمن بها الناس عبر التاريخ, ومايزالون, وحتى الآن, ننسب كل الفشل في التطبيق, إلى مجموع الناس الذين انضووا تحت لوائها, وإلى الظروف المحيطة, وإلى تأثيرات قد تبدو غير مقنعة, فهل يمكننا أن نعكس المعادلة؟
لماذا لانحاول البحث في فرضية أخرى, ولماذا لاتكون العلّة في الفكرة نفسها, فنزيح عنها قليلاً ستار الرهبة والقداسة, لنرى كيف انعكست بلامنطقيتها على المجموع؟
هل يمكننا أن نستضيف عدداً من الأمثلة؟
- هل فشلت الماركسية في أن تكون حلّاً لمشاكل تلك الأمم التي انضوت تحت لوائها, بسبب من لامنطقيتها, أم بسبب ظروف تلك الشعوب التي نزلت بها, وكذلك الليبرالية على سبيل السؤال؟
- هل فشل المسلمون في الاتفاق –إلا على القبلة- أو المسيحيون, بسبب من ظروفهم وطباعهم, أم بسبب من علّة في دينهم؟
لماذا يتفوّق العُرف على الدّين –أيّ دين- ونقبل به, ثم ننتقدهُ في أحاديثنا, لأنه لايمثّل ديننا, ولايمثّلنا في الدّين, فما الذي نسعى إليه إذاً؟
هل هناك حلّ "ثالث"؟

الأربعاء، 4 مارس 2015

نُبذة عن المصارعة الحرة في النصوص المقدسة | بقلم: إياس بياسي

نَقرأ في سفر التكوين:

فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ. وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ. لَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ فَانْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ.

فالله يخلَعُ حُقّ فخذ يعقوب, ثمّ لايُطلِقهُ يعقوب إلى بعد أن يباركه الله, بينما موسى في حديث في صحيح مسلم, يرويه أبو هريرة:

فلَطَمَ موسى عليه السلام عين ملك الموت ففقأها, فرجع المَلكُ إلى الله تعالى, فقال يارب: إنك أرسلتني إلى عبد لك, لايريد الموت, وقد فقأ عيني, .. إلى آخر النص.

إذا أمكننا أن نعرف أن مغزى الحادثة التوراتية, قد تبدّل بها, اسم يعقوب إلى اسرائيل مثلاً, وأطلق اسرائيل فيما بعد على المكان الذي صارع به الرب, اسم "فَنِيئِيلَ" فما هي الحكمة من لطم موسى عين ملك الموت, ورفضه للموت؟
ماهي الحكمة من المصارعة الحرة, في الكتب المقدّسة أصلاً؟