الخميس، 15 فبراير 2018

في مفهوم الفسيفساء (لبنان نموذجاً) | بقلم: إياس بياسي

ربما لم يفلح الاستعمار الأوروبي في القرن العشرين -بعد تقسيم بلاد الشام ومابين النهرين إلى مناطق نفوذ وسيطرة ومحاصصة، وبعد تحويل هذا التكتّل الجغرافي، الديموجرافي القوي، إلى كانتونات منفردة "متمايزة"- أكثر مما فلح في "اختراع" دولة لبنان.

وبمثلِ مايتعجّب الشيطان أحياناً، من بعض خلق الله، ممن قد يتجاوزونه في دهائهم ومكرهم؛ ويشكّ أحياناً في مهنته ومهمّته كـ "إبليس"، أشكُّ أنا وأتعجّب وأتساءل؛ هل يُحتمل فعلاً أن السيد غورو Gouraud كان يقصد، اجتزاء كل تلك المتناقضات من هذه البقعة الجغرافية، وحشرها في "دولة لبنان"، وأن ذلك لم يكن يعني له ولدولته العظمى آنذاك، سوى تقسيماً لأرضٍ، يسهل من خلاله، إحكام سيطرتهم على مناطق نفوذ تتقاسمها القوى الكبرى معهم؟

أم أن الأمر لايعدو "جرّة قلم"، وأن السيد المذكور آنفاً، ينوي أذىً، لكن ليس بهذه البشاعة، وهذا التجسيد الرهيب لها؟ 

بفضل من هذه العبقريّة، التي أخرجت هذا الكيان؛ من هدف إنشائِه "المُحتمَل" والمُفترض، وأضافت له العديد من المهمّات الأخرى، كأن يكون مرآة لأديان وطوائف وأحزاب العالم ومصالحهم، وكأن يظلّ إلى الأبد، كياناً قلقاً، ليس بمقدوره تصدير مشاكله، بقدر مايبرع في استيرادها وتمثيلها في ساحاته؟

هل تبدو لكم هذه الدولة، أكثر من مجلس نيابي، يمثّل "مصالح" العالم أجمع، عدا مصالح اللبنانيين خصوصاً؟

هذا كلّه، ليس من التعجّب والتساؤل بشيء، إذا ما عرفنا أن اللبنانيين أنفسهم، هم راضون تماماً، عن انتمائهم لتلك "الفسيفساء"، بل أن كلّ "فَسفسائية"، تفتخر بكونها قطعة قائمة بحدّ ذاتها؛ كانت ترتصف في زمن أغبرٍ ما، ضمن صفوف لوحة كبيرة أخرى، هي بطبيعة الحال -وبالتأكيد- ليست على جدران هذه المنطقة.

إذاً لماذا لايتقاسم اللبنانيون، ويرسمون حدوداً دولية بين طوائفهم، بدل أن يكسروا على أنوفهم بصلاً، أمام الإعلام، ويحتملون "زناخة" العيش المُشتَرك؟

ياترى، ماهي مهمة هذا الـ لبنان، بعد تغيّر مُحتمَل لموازين القوى مرّة ثانية، سوى أن يكون مرة أخرى أيضاً، حلبة جديدة، يمثل المتصارعون اللبنانيون فيها، أندية العالم الكبرى؟

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.