الأربعاء، 3 أغسطس 2016

على سيرة المنعطفات | بقلم: إياس بياسي

في سجل شعوب هذه الأرض، مرّت العديد من الأحداث، التي غيّرت وجه البشريّة، فقلبته من حالٍ إلى حال، وسواء كان الحال الأخير هذا، أسوأ من الذي قبله، أم أحسن منه، فالغاية من الكلام هنا، هو المرور على ذكر جزء يسير، قد نقيس على ميزانه، أحداث أخرى، أثّرت فعلاً، في تطور ثقافتنا وفهمنا.
قد تكون عودة اليهود، من منفاهم القسري، في بابل إحدى تلك الأحداث، ففي رحلتهم الطويلة منها، بعد أن استكملوا مهمتهم العظيمة، التي عملوا لأجلها مئات السنين، لم يبقَ لفارس إلا مكافأتهم، على صنيعهم، وإعادتهم إلى فلسطين.
وبعد الانتصار والاستقرار النفسي، الذي حظَوا به، عكفوا على إعادة تأليف، أهم كتاب في تاريخ البشرية، وأطلقوا إحدى صفاته، لتصير سمة ملازمة لكثير من الكتب الأخرى، وحتى لو كانت وضعيّة إنسانية، فلقد أسموه بـ "السماوي".
لايفوتنّكم هذا المشهد البارز، فصفة "السماوي"، لاتقبل في أي عقيدة أو فلسفة، خاصيّة التفاوض، أو المراهنة، أو لنقل بكل ثقة، لاتقبلُ أي شكل من أشكال الحوار.
فمن هنا بدأت، قصّة التحريم، وإسكات المعارضين، وكم الأفواه وقلع الأعين، وقطع الأيدي والأرجل من خلاف، ومحاربة البشرية بأسرها، وهنا أيضاً، رموا أول بذرة، أنبتت فيما بعد، وأورقت فقهاء ومعلّمين، أسسوا داخل الأديان، عصابات سوداء، صادرت التاريخ وكتابته، وحاصرت كل المصلحين، وغيّبتهم بالموت أو التجاهل.

منعطف آخر، بدأ مع بداية العصر الأموي، الذي لم يأتِ لنا التاريخ، سوى بأمجاده "الفتوحاتيّة"، وسلّط الكتَبَة عليه كل الأضواء الأدبية والتأريخيّة، بما يضفي عليه طابعاً شرعياً متسلسلاً ومولوداً من رحم القرون الثلاثة الأولى.
ففيه، عرف المسلمون لأول مرّة في تاريخهم، معنى أن تتحطّم قاعدة "الشورى"، على صخرة الحكم "الوراثي الملكي"، وبمباركة جميع الفقهاء، والذي لم ينتهِ حتى الآن، وفيه عرفنا نحنُ، كيف تمّ سوق المسلمين إلى المساجد، ليسمعوا الخطب وهم صاغرين.. تلك الخطبُ التي كان يكتبها القادة، وليس على المؤمنين فيها إلا الموافقة والإذعان، والخشوع لرجل الدّين، المستمدّ سلطته، من أعلى الهرم في الدّولة، والمتحدث باسمها.
من هنا، سُلب أجدادنا، "الجامع"، الذي كانت تقام فيه الصلاة، وتناقش فيه أمور الدولة، ويتشاورون فيه، بكل مايخصّ شؤون حياتهم، ليُبدلوا بـ "المسجد"، الذي يقتصر على أداء الصلاة، والتسليم بعد الركعة الأخيرة، ثم الخروج إلى العمل والحياة اليومية.
في هذا العصر بالذات، بدأ المسلمون العمل بماجاء في إنجيل مرقس، على لسان المسيح:
(أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلّهِ لِلّهِ)

هذه المقالة منشورة في موقع حدائق اللوتس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.