الثلاثاء، 17 فبراير 2015

لماذا لاتمثّلُ الشرفَ الحقيقي في مجتمَعِنا, سوى الأعضاءِ التناسليةِ ؟

(إن الاجتهاد القضائي عرّف الدافع الشريف على أنه عاطفة نفسية جامحة تسوق الفاعل إلى ارتكاب جريمته تحت تأثير فكرة مقدسة لديه قوامها غسل العار الذي ألحقته الضحية به وبعائلته وقد لحظه القانون في المادة /192/ من قانون العقوبات العام السابقة الذكر ولم يتركه لتقدير القاضي وقناعته لجهة التطبيق بل نص على اعتباره سبباً مخففاً قانونياً لا بد من تطبيقه متى توافرت أسبابه.)
هذا حالُ القانونِ السّوري, والاجتهادِ القضائِي في النظرِ إلى قضايا القتلِ العمدِ مع سابقِ التصميمِ والقصدِ, فقانونُنا يجيزُ جرائمَ القتلِ تحت مسمّى الشرفِ والدافعِ الشريف, ويجيزُ للجّاني فعلَته , ويبررُها لهُ في كلِّ الظروفِ والمناسباتِ , دونَ اعتبارٍ لقيمةِ الضحيةِ الإنسانية , إن كان الموضوعُ يتعلّقُ بالشّرف الذي يمثّلهُ الجسَد .
قانوننا يُشرعِنُ "الدّافع الشريف" بقوةِ العُرفِ, والعاداتِ القبليةِ التي تفرضُ نفسها منذُ مئاتِ السنينِ , ويستمدُّ اجتهاداتِه , من تقديرِ حالاتِ الغضبِ الشّديدِ التي يُصابُ بها "الرّجلُ" آنذاكَ, فيساعدهُ في سَنِّ سكينهِ , أو حشوِ مسدّسهِ, ليُطبقَ بهِ على ضحيّتهِ , والتي لاتستطيعُ مقابلتهُ أو محاسبَته بنفسِ القانونِ, وبنفسِ الدافعِ الشريفِ هذا .
وبعد هذا التعريفِ المقتَضَبْ, وبعد أن أخذَ القضاءُ بهِ كسببٍ مخفِفٍ قانونياً, نجدُ أنَّ الاجتهادَ القضائي لم يكتفِ بهذا...

(فقد وسّع دائرة الأشخاص المشمولين بالأسباب المخففة القانونية عند توافر الدافع الشريف فلم يقصرها على المحارم بل تعداها إلى الأقارب الآخرين من أولاد العمومة والأصهار .
وأكثرُ مايثيرُ الاستياءَ والاشمئزازَ, من هذا الاجتهادِ أو ذاكَ, هو توسيعُ المدى الزّمني, الذي سيعملُ ضمنَه القاتلُ لاحقاً؛ فأحدُ الحرماتِ المشارِ إليها أعلاه, قد تكونُ فريسةً سهلةً, في أيِّ وقتٍ من الأوقاتِ, طالما أنَّ دماءَها حلالٌ تحتَ تأثيرِ ذاك الدافعِ, وتلك الفكرةِ المقدسةِ, مدّة قد تطولُ حسبَ أهواءِ القاتلِ ..
(أقر الاجتهاد القضائي أن وقوع الصلح والزواج من المخطوفة لا يزيل الدافع الشريف لأن الحوادث التي لها مساس بالعرض تتعلق بالشعور والإحساس وهذا لا يزيله الصلح كما أن الزواج من المخطوفة إنما هو زواج طبيعي وفق الشريعة والأعراف السائدة ولا يزيل أيضاً الإحساس بالعار الذي خلّفه فعل المخطوفة .)
لا بل ذهبَ الاجتهادُ القضائي إلى أبعد من ذلك عندما قرّرَ أن الدافعَ الشريفَ يعتبرُ موجوداً لمجردِ وقوعِ القتلِ تحتَ تأثيرِه ولو ظلّتِ العلاقةُ الغرامية طيَّ الكتمانِ وحتى لو لم تكن هذه العلاقةُ صحيحةٌ ما دامَ القاتلُ قد وقعَ تحت تأثيرِ ما سمعَه وتحت تأثيرِ هذه الفكرةِ المقدّسة .
في هذا اليوم, نتضامنُ مع ضحايا جرائمِ "الشّرفِ", وجرائمِ الدّافعِ الشريف, ونسألُ السؤالَ الكبير:
لماذا لاتمثّلُ الشرفَ الحقيقي في مجتمَعِنا, سوى الأعضاءِ التناسليةِ ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.