السبت، 9 يوليو 2016

سيكولوجيا الانتحار والإعداد للموت | بقلم: إياس بياسي

هذا العمل الانتحاري، قد أثار دهشة كل المراقبين، ليس لذاك النوع من العمليات، الذي بات مألوفاً لقدمه، بل لتك البقعة تحديداً التي لم تكتمل فصول المخطط فيها، بعد تفجير نفسه بعناصر الأمن المحيطين بالمكان.
فكل مانعرفه عن أولئك الإنتحاريين، وكل مانتوقعه منهم، لم يجعلنا نخمّن ولو للحظة واحدة، أن هذا المكان المقدس، ومن فيه ممّن يباشرون الشعائر الدينية، قد يتعرّضون، من قبل تلك الجماعات الرّاديكالية، لنفس الموقف الذي يتعرض له (الكفار، والخوارج، والمرتدين، ... إلخ) يومياً في كل أصقاع الأرض، ولهذا، فما أعرضه الآن، ليس خبراً، بل محاولة بسيطة لتشريح دماغ الإنتحاري، والاطلاع عليه من الداخل، لذاك الرّاقد في الـ Coma
فحين يكون السؤال هو، ما الذي دفع ذاك الانتحاري، إلى تفجير نفسه قرب المسجد النبوي الشريف، فإن السؤال يأتي ناقصاً، من حيث أنّ الدّافع وحده، قد يكون من أوضح الوسائل، لقذفك في هذا الطريق، فهو جليٌّ، ولاأحد ممن يمتلكون الأجندات السياسية، يملك طوعاً أو كرهاً إخفاءه.
أقول هذا، لأن الإنسان المعبّأ، والمجهّز للقيام بعمل ما -من شأنه تغيير وضع (سياسي أو جيوسياسي)- لن يعتمد في قرار القيام بذلك، على الدّافع وحده لاشكّ، بل على مجموعة من العناصر، تعمل جميعُها متمّمة، للوصول إلى الهدف المنشود، ويكون أحدُها يسمى "دافعاً".
هل يكون "غسيل الدماغ" أحدها أيضاً؟
"غسيل الدماغ"، والذي هو من ضمن الأركان المتممة أيضاً للهدف، يُعتمد عليه بنسبة كبيرة، في (إعادة تشكيل المُعتقد) لمنفِّذ العمل، فيما إذا كان ناقص الإيمان به، أو غافلاً عنه، ففي الحالات "الدينية"، يقوم المتخصصون، بشرح وتوضيح بعض التعاليم العصيّة على الفهم، أو تلك التي تكون غير مرئيّة لعوامّ المؤمنين، بغاية الحضّ، على تجاوز الحاجز النفسي، المليء بالخوف، والرّهبة من الموت، ولو كلّفهم ذلك إفتاءً جديداً، يتجاوزون به، القوالب الشرعيّة، وتطويعها باللعب على الفقه نفسه، أو بالتواري اللغوي، أوالتحريف التاريخي، وعرض المآل الأخير -الآخرة- كمكافأة أزلية، لايمكن التفاضل في شأنها مع الدنيا الفانية.
والأمثلة التاريخية لاعتداء مشابه، على حرمات مقدّسة، لاتخلو، ولقد كان "الحجاج بن يوسف الثقفي" أحد القادة الذين أقدموا على ضرب الكعبة بالمنجنيق، تنفيذاً لأمر "وليّ الأمر"، لملاحقة الخارجين عن الدّولة، المحتمين بالكعبة، بحجة الخروج عن الدّين، والخروج على وليّ الأمر، ويعود عدم إبراز تلك الحادثة ومشابهاتها تاريخياً، واستغلالها كأسوة ببعض القادة، لعدم قدرة عموم الناس على الإلمام بمفهوم "الولاية"، وماتقتضيه الحاجة والشروط لتثبيتها، ومبايعة الوالي.
ويأتي "التحريض" أيضاً، كعامل أسّ، في هذه المهمّة المرعبة، والمُتشكّل أصلاً، وباستمرار في البيئة الحاضنة، حتى الالتقاء بالدافع، في حلقة مفرغة، لايتوقف الدوران بها.
إذاً فإن "البيئة الحاضنة" التي ينشأ ويترعرع بها الفاعل، كعامل وعنصر أيضاً، منذ نعومة أظفاره، أخطر ماتكون ساعة تختلط فيها قيمُ وعادات وتقاليد المكان الجغرافي الموروثة، بالمعتقدات الدينية، فينشأ عنها أخيراً "ديناً" جديداً، قد يشترك مع الدين الأساس، ببعض العناوين والتسميات، ويبتعد عنه في الجوهر والغاية، ولربما قد يبدو لأي محلل، أنها المكان الأفضل، للسيطرة عليه ثقافياً، قبل تفريخ هؤلاء في المستقبل، فكما يقول المثل: (المعدة بيت الداء).
لابدّ من الإشارة، إلى أن أي عقيدة مجتمعية، دينية أو وضعية، تحمل هذه الخصائص أو الأركان في ذاتِ تابعيها، وهي قابلة للانفجار، حسب المُقتضى السياسي الأخلاقي.
إن مفهوم تقديم النفس فداءً، هو من حيث التعريف، أوسع من كلّ الأمثلة، التي تُطرح في سبيل إيضاحه، فالكاميكاز اليابانيون، لم ينقضّوا على البارجات الأمريكية في الحرب العالمية الثانية، بوعدٍ من أحد بحياة أبدية، أو فردوس ما، والمقاومون "الملحدون" في حقبة الثمانيات، المنتمون لأحزاب غير دينية، أثناء الصراع المحتدم مع "الكيان الإسرائيلي" في جنوب لبنان، قدّموا إلى جانب الأحزاب الدينية، أرواحهم وأجسادهم، دون أية وعود أو أيّ إيمان بالخلود.
هل يمكنكم أن تقارنوا، بين من يقدم نفسه طواعية، لأجل أن يحيا أخاه بكرامة ودونما لقاء، وبين من يقتل أخاه، طمعاً بالفردوس؟
لنكفّ الآن عن التحليل والتشريح .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.